فصل: (سورة النساء: الآيات 163- 166):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَهُوَ} أي المرء المفروض {يَرِثُهَا} أي أخته المفروضة إن فرض هلاكها مع بقائه، والجملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب؛ وقد سدت كما قال أبو البقاء مسدّ جواب الشرط في قوله تعالى: {إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ} ذكرًا كان أو أنثى، فالمراد بإرثه لها إحراز جميع مالها إذ هو المشروط بانتفاء الولد بالكلية لا إرثه لها في الجملة فإنه يتحقق مع وجود بنتها، والآية كما لم تدل على سقوط الأخوة بغير الولد لم تدل على عدم سقوطهم به، وقد دلت السنة على أنهم لا يرثون مع الأب إذ صح عنه صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى عصبة ذكر» ولا ريب في أن الأب أولى من الأخ وليس ما ذكر بأول حكمين بين أحدهما بالكتاب والآخر بالسنة. اهـ.

.قال الفخر:

{فَإِن كَانَتَا اثنتين فَلَهُمَا الثلثان مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رّجَالًا وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأنثيين} وهذه الآية دالة على أن الأخت المذكورة ليست هي الأخت من الأم فقط، وروي أن الصديق رضي الله عنه قال في خطبته: ألا أن الآية التي أنزلها الله في سورة النساء في الفرائض، فأولها: في الولد والوالد، وثانيها: في الزوج والزوجة والإخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الأخوة والأخوات من الأب والأم، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم قال تعالى: {فَإِن كَانَتَا اثنتين فَلَهُمَا الثلثان مِمَّا تَرَكَ} يعني: إذا كان للميت أختان أو أكثر فلهما الثلثان إذا كانتا اثنتين، وإن كنَّ أكثر من ذلك فلهنَّ الثلثان أيضًا بالإجماع.
ثم قال: {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رّجَالًا وَنِسَاء} يعني إخوة وأخوات {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانثيين} يعني لكل أخٍ سهمان ولكل أخت سهم، هذا إذا كانت الإخوة والأخوات من الأب والأم أو من الأب خاصة، فأما إذا كانوا من قبل الأم فهم شركاء في الثلث، ليس لهم أكثر من ذلك كما ذكرنا في أول السورة، وهذا بالإجماع. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِن كَانَتَا اثنتين فَلَهُمَا الثلثان مِمَّا تَرَكَ} عطف على الشرطية الأولى، والضمير لمن يرث بالأخوة، وتثنيته محمولة على المعنى وحكم ما فوق الاثنتين كحكمهما، واستشكل الإخبار عن ضمير التثنية بالاثنتين لأن الخبر لابد أن يفيد غير ما يفيده المبتدأ، ولهذا لا يصح سيد الجارية مالكها، وضمير التثنية دال على الاثنينية فلا يفيد الإخبار عنه بما ذكر شيئًا، وأجيب عن ذلك أن الاثنينية تدل على مجرد التعدد من غير تقييد بكبر أو صغر أو غير ذلك من الأوصاف فكأنه قيل: إنهما يستحقان ما ذكر بمجرد التعدد من غير اعتبار أمر آخر وهذا مفيد، وإليه ذهب الأخفش، ورد بأن ضمير التثنية يدل على ذلك أيضًا فعاد الإشكال، وروى مكي عنه أنه أجاب بأن ذلك حمل على معنى من يرث، وأن الأصل والتقدير إن كان من يرث بالإخوة اثنين، وإن كان من يرث ذكورًا وإناثًا فيما يأتي؛ وإنما قيل: كانتا وكانوا لمطابقة الخبر كما قيل: من كانت أمك، ورد بأنه غير صحيح وليس نظير المثال، لأنه صرح فيه بمن وله لفظ ومعنى، فمن أنث راعى المعنى وهو الأم ولم يؤنث لمراعاة الخبر، ومدلول الخبر فيه مخالف لمدلول الاسم بخلاف ما نحن فيه فإن مدلولهما واحد.
وذكر أبو حيان لتخريج الآية وجهين: الأول: أن ضمير كانتا لا يعود على الأختين بل على الوارثتين، وثم صفة محذوفة لاثنتين، والصفة مع الموصوف هو الخبر، والتقدير: فإن كانتا أي الوارثتان اثنتين من الأخوات (فلهما الثلثانمما ترك) فيفيد إذ ذاك الخبر ما لا يفيده الاسم، وحذف الصفة لفهم المعنى جائز، والثاني أن يكون الضمير عائدًا على الأختين كما ذكروا ويكون خبر (كان) محذوفًا لدلالة المعنى عليه وإن كان حذفه قليلًا، ويكون اثنتين حالًا مؤكدة، والتقدير فإن كانتا أي الأختان له أي للمرء الهالك، ويدل على حذف (الخبر الذي هو) له {وَلَهُ أُخْتٌ}.
{وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رّجَالًا وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأنثيين} أصله وإن كانوا إخوة وأخوات فغلب المذكر بقرينة رجالًا ونساءً الواقع بدلًا، وقيل: فيه اكتفاء. اهـ.

.قال الفخر:

{يُبَيّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} فيه وجوه:
الأول: قال البصريون: المضاف هاهنا محذوف وتقديره: يبين الله لكم كراهة أن تضلوا، إلاّ أنه حذف المضاف كقوله: {واسئل القرية} [يوسف: 82] الثاني: قال الكوفيون: حرف النفي محذوف، والتقدير: يبين الله لكم لئلا تضلوا، ونظيره قوله: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السموات والأرض أَن تَزُولاَ} [فاطر: 41] أي لئلا تزولا.
الثالث: قال الجرجاني صاحب النظم: يبين الله لكم الضلالة لتعلموا أنها ضلالة فتجنبوها.
ثم قال تعالى: {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} فيكون بيانه حقًا وتعريفه صدقًا. اهـ.

.قال السمرقندي:

{يُبَيّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} أي يبين الله لكم قسمة المواريث لكي لا تضلوا ولا تخطئوا في قسمتها.
وقد يحذف لا فيراد به إثباته كقوله: {خَلَقَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وألقى في الأرض رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [لقمان: 10] يعني أن لا تميد بكم، وقد يذكر لا ويراد حذفه كقوله: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12] يعني أن تسجد وكقوله: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} [القيامة: 1] أقسم ثم قال تعالى: {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} من قسمة المواريث وغيره، أي اتبعوا ما أنزل الله تعالى وبيّن لكم في كتابه، والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{يُبَيّنُ الله لَكُمْ} حكم الكلالة أو أحكامه وشرائعه التي من جملتها حكمها، وإلى هذا ذهب أبو مسلم {أَن تَضِلُّواْ} أي كراهة أن تضلوا في ذلك وهو رأي البصريين وبه صرح المبرد.
وذهب الكسائي والفراء وغيرهما من الكوفيين إلى تقدير اللام ولا في طرفي {إن} أي لئلا تضلوا، وقيل: ليس: هناك حذف ولا تقدير وإنما المنسبك مفعول {يُبِينُ} أي يبين لكم ضلالكم، ورجح هذا بأنه من حسن الختام والالتفات إلى أول السورة وهو {يَا أَيُّهَا الناس اتقوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] فإنه سبحانه أمرهم بالتقوى وبين لهم ما كانوا عليه في الجاهلية، ولما تم تفصيله قال عز وجل لهم: إني بينت لكم ضلالكم فاتقوني كما أمرتكم فإن الشر إذا عرف اجتنب، والخير إذا عرف ارتكب، واعترض بأن المبين صريحًا هو الحق والضلال يعلم بالمقايسة، فكان الظاهر يبين لكم الحق إلا أن يقال: بيان الحق واضح وبيان الضلال خفي فاحتيج إلى التنبيه عليه، وفيه تأمل، وذكر الجلال السيوطي أن حسن الختام في هذه السورة أنها ختمت بآية الفرائض، وفيها أحكام الموت الذي هو آخر أمر كل حي وهي أيضًا آخر ما نزل من الأحكام {والله بِكُلّ شَيْء} من الأشياء التي من جملتها أحوالكم المتعلقة بمحياكم ومماتكم {عَلِيمٌ} مبالغ في العلم فيبين لكم ما فيه مصلحتكم ومنفعتكم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {يبيّن الله لكم أن تضلّوا} امتنان، و{أن تضلّوا} تعليل لـ {يبيّنُ} حذفت منه اللام، وحذفُ الجار مع (أن) شائع.
والمقصود التعليل بنفي الضلال لا لوقوعه؛ لأنّ البيان ينافي التضليل، فحُذفت لا النافية، وحذفها مَوجود في مواقع من كلامهم إذا اتّضح المعنى، كما ورد مع فعل القسم في نحو:
فآليْنَا علَيها أنْ تُبَاعا

أي أن لا تباع، وقوله:
آليتُ حَبّ العِراق الدهرَ أطْعَمُه

وهذا كقول عمرو بن كلثوم:
نَزلتم منزل الأضياف منّا ** فعجَّلنا القِرى أنْ تشتمونا

أي أن لا تشتمونا بالبخل، وهذا تأويل الكوفيين، وتأوّل البَصريون الآية والبيت ونظائرهما على تقدير مضاف يدلّ عليه السياق هو المفعول لأجله، أي كراهة أن تضلّوا، وبذلك قدّرها في الكشاف.
وقد جعل بعض المفسّرين {أن تضلّوا} مفعولًا به لـ {يبيّن} وقال: المعنى أنّ الله فيما بيّنه من الفرائض قد بيّن لكم ضَلالكم الذي كنتم عليه في الجاهلية، وهذا بعيد؛ إذ ليس ما فعلوه في الجاهلية ضلالًا قبل مجيء الشريعة، لأنّ قسمة المال ليست من الأفعال المشتملة على صفة حسن وقبيح بيّنه إلاّ إذا كان فيها حرمَان لمن هو حقيق بالمؤاساة والمبرّة، ولأنّ المصدر مع (أن) يتعيّن أن يكون بمعنى المستقبل، فكيف يصحّ أن يراد بـ {أن تضلّوا} ضلالًا قد مضى، وسيجيء زيادة بيان لهذا عند قوله تعالى: {أن تقولوا إنَّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} في سورة [الأنعام 156].
وعن عمر أنَّه كان إذا قرأ هذه الآية يقول: اللَّهمّ من بُيِّنَتْ له الكلالةُ فلم تُبيَّنْ لي رواه الطبري، وفي سنده انقطاع، وقد ضعّفوه.
وقوله: {والله بكلّ شيء عليم} تذييل.
وفي هذه الآية إيذان بختم الكلام، كقوله: {هذا بلاغ للنّاس وليُنذروا به} [إبراهيم: 52] الآية، وكقوله تعالى في حكاية كلام صاحب موسى: {ذلك تأويل ما لم تسْطِع عليه صبرًا} [الكهف: 82].
فتُؤذن بختام السورة. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن في هذه الصورة لطيفة عجيبة، وهي أن أولها مشتمل على بيان كمال قدرة الله تعالى فإنه قال: {يَا أَيُّهَا الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة} [النساء: 1] وهذا دال على سعة القدرة، وآخرها مشتمل على بيان كمال العلم وهو قوله: {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} وهذان الوصفان هما اللذان بهما تثبت الربوبية والإلهية والجلالة والعزة، وبهما يجب على العبد أن يكون مطيعًا للأوامر والنواهي منقادًا لكل التكاليف. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة النساء: الآيات 163- 166]:

{إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء، واحتجاج عليهم بأنّ شأنه في الوحى إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا. وقرئ {زبورا} بضم الزاى جمع زبر وهو الكتاب وَرُسُلًا نصب بمضمر في معنى:
أوحينا إليك وهو: أرسلنا، ونبأنا، وما أشبه ذلك. أو بما فسره قصصناهم. وفي قراءة أبىّ: ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل لم نقصصهم. وعن إبراهيم ويحيى بن وثاب: أنهما قرءا {وَكَلَّمَ اللَّهُ} بالنصب. ومن بدع التفاسير أنه من الكلم، وأن معناه وجرّح اللَّه موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ الأوجه أن ينتصب على المدح. ويجوز انتصابه على التكرير. فإن قلت: كيف يكون للناس على اللَّه حجة قبل الرسل، وهم محجوجون بما نصبه اللَّه من الأدلة التي النظر فيها موصل إلى المعرفة، والرسل في أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر في تلك الأدلة، ولا عرف أنهم رسل اللَّه إلا بالنظر فيها؟ قلت: الرسل منبهون عن الغفلة، وباعثون على النظر، كما ترى علماء أهل العدل والتوحيد مع تبليغ ما حملوه من تفضيل أمور الدين وبيان أحوال التكليف وتعليم الشرائع، فكان إرسالهم إزاحة للعلة وتتميما لإلزام الحجة، لئلا يقولوا: لولا أرسلت إلينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة وينبهنا لما وجب الانتباه له. وقرأ السلمى: لكنّ اللَّه يشهد، بالتشديد.